مصر خسرت مبارك

إن ممارسة العمل
السياسي يجب أن تقتصر على النخب السياسية , وإذا مارسها عامة الشعب فإن
الفوضى ستطغى على المشهد السياسي تماما كما تطغى الفوضى اليوم على المشهد
السياسي المصري .
لقد قدم الرئيس المصري حسني مبارك إصلاحات سياسية في خطوة لم يقم بها أي
رئيس مصري منذ سقوط الملكية في مصر , ومع ذلك فقد فرط المتظاهرون بهذه
الإصلاحات المهمة والتي ستغير وجه الحياة السياسية في مصر , وطالبوا بمطلب
واحد وهو تنحي الرئيس مبارك رغم قرب انتهاء ولايته التي كانت ستنتهي في
سبتمبر, ورغم ادعاء المتظاهرين بأنهم يطالبون بمطالب ديمقراطية إلا أن
مطلبهم الوحيد ليس ديمقراطيا ولا دستورياً , فلم يتفق المعارضون على صيغة
تؤدي بهم إلى التغيير الذي يطالبون به , وهاهو مبارك يتنحى بناء على رغبتهم
وتضيع عليهم الفرصة التاريخية التي قدمها لهم.
بعد أن كلف الرئيس مبارك نائبه بأن يتحاور مع المتظاهرين ويلبي مطالبهم ,
فوجئ عمر سليمان نائب الرئيس بأنهم يمتنعون عن الدخول معه في أي حوار مالم
يفوضه الرئيس مبارك بكامل صلاحياته , وهذا ما تحقق بالفعل لاحقا بعدما نقل
مبارك جميع صلاحياته لنائبه , فإذا بهم يعارضون وكأنهم ليسوا من طلب هذا
الطلب , ما يدل على أنهم لم يتفقوا فيما بينهم على مطالب محددة , وأنه لا
قيادة تقودهم وهذا مما يعيبهم وهم من يتغنى به ظنا منهم أنها ميزة ,
فالجماعة بلاقائد كالجسد بلا رأس يوجهه نحو الطريق القويم.
في الآونة الأخيرة كان انتقاد الرئيس المصري مبارك من قبل عامة الشعب
يسمع وبوضوح ولكنه انتقاد السذج , فكلما فتح معي أحد في مصر أثناء زياراتي
المتكررة لها حوارا ينتقد فيه الرئيس كنت اسأله سؤال وحيد عجز الجميع عن
الإجابة عليه وهو: هل تستطيع أنت شخصيا يامن تنتقد الرئيس أن تتخذ قرار
دخول مصر في حرب مع أي دوله من عدمه ? فكان الصمت المطبق المشوب بالحيرة هو
جواب الجميع , وهذا يدل على أن عامة الشعب إنما تخوض فيما لا تفقه فيه.
قد يكون الشعب المصري متفقا بالفعل على الرغبة بتنحي مبارك , ولكن لم يتفق
الشعب على آلية انتقال السلطة , ولن يتفق الشعب على أي شيء غير تنحي مبارك ,
هذا إن كانت بالفعل هذه رغبة معظم الشعب , وذلك لأن من الطبيعي أن يكون
عامة الشعب يفتقرون لأبجديات العمل السياسي فضلا عن الخوض في الآلية
المناسبة لانتقال السلطة , لذلك فقد كان لزاما على مبارك أن يقدم المصلحة
العامة ومصلحة مصر على إرادة الشعب وإن أراد الشعب غير ذلك فالرئيس هو
المؤتمن على مصر وهو ولي أمرها وهو المكلف بحماية أمنها ومصالحها.
إذا كان المئات من رجال مبارك أو الحزب الوطني يمارسون الفساد , فإن
الملايين من الشعب المصري تمارس الفساد يوميا بشتى أشكاله وصوره من انتهاك
لقوانين الدولة ومن تلقي الرشاوى من قبل أصغر موظفي الدولة وغيره من أوجه
الفساد الموجود في كثير من دول العالم بحسب ثقافاتها , وهذا يلام به الشعب
بأكمله وشبابه الواعي الذي يجب عليه أن ينبذ هذه الممارسات قبل أن يحاول
نبذ رئيسه بصورة خاطئة تدخل البلد في نفق مظلم لا يعلم نهايته إلا الله ,
فلا تزال معدلات الظلم الذي يدعيه المصريون ضمن المعدل الطبيعي الذي يمكن
أن يوجد في أي بلد , ولا يكفي لأن يكون ذريعة لتغيير النظام بهذه الطريقة
غير المنظمة والتي لا تضمن انتقالا للسلطة بالصورة التي يطمحون بها.
البرادعي وزويل وغيرهم من قادة المظاهرات لم يمارس أي منهم العمل السياسي
فضلا عن أن يخوض بمتاهاته ويناطح مبارك الذي عمل في السياسة عقودا مديدة ,
وهذا إن دل على شيء إنما يدل على جهل المتظاهرين بكيفية اختيار من يمثلهم
سياسيا, لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
رغم أن خروج مبارك عن السلطة كان برغبة شعبية , إلا أن التاريخ سينصفه
ويترحم عليه شعبه عندما يحكمهم سلفه في القادم من الأيام , فمبارك كان بطلا
من أبطال مصر ضحى لأجلها كثيرا وجنبها ويلات الحروب طوال ثلاثين عاما رغم
اشتعال معظم الدول التي تحيط بها بنيران الحروب , وكسب لها من خلال علاقاته
الدعم من الدول الصديقة والشقيقة وهاهم ملايين المصريين يعملون في دول
الخليج بسبب علاقات مبارك الوطيدة بدول الخليج , وهاهي الولايات المتحدة
تقدم الدعم السنوي الذي يقدر بمليار ونصف دولار بسبب علاقات مبارك المتميزة
بدول العالم.
يجب على العقلاء من الشعب المصري , الا يسمحوا لمصر التي طالما كان لها
الدور الريادي في المنطقة أن يتفوق فيها غير السياسيين فيقودوا الحياة
السياسية في مصر , فيكون الاختصاص يقاد بغير أهله , فمصر تهمنا مثلما تهم
المصريين تماما, وما يضرها يضرنا وما يسرها يسرنا , فعذرا يا شعب مصر فقد
جانبتم الصواب في اختياركم لمستقبل مصر بهذه الطريقة.
كاتب كويتي: مشعل النامي